مقابلة مع الأب دوني ماير

 

أجرى بعضٌ مِنْ تلامذة المتوسِّط والكبار مقابلة معَ الأب دوني ماير اليسوعي، بُغيةَ الاطِّلاع على علاقة الراهب اليسوعي بالمسيح وبالإنسان، وعلى نظرته إلى مختلِف الأمور. وفي ما يلي وقائع المقابلة.

مقدِّمة

إنّ الحياة تُقدِّم للمرء ملذاتٍ عدّة ليستمتِع بها ويُرضي شهواته. يُضايقه كُلُّ ارتباط يمنعه مِنَ القيام بما يريد. فكيف يستطيع الرهبان أنْ يتخطَّوا جميع الإغراءات التي تعترض طريقهم ليتمكّنوا من تكريس حياتهم وكُلِّ ما يملكون، لخدمة المسيح والكنيسة والإنسان؟ تساؤلاتٌ عديدة نطرحها اليوم على الأب دوني ماير اليسوعي.

تريسي الحلو - الثالث 2

 

مَنْ هو الأب دوني ماير؟ أعطنا لمحةً سريعة عن حياتك، لو سمحت.

وُلدتُ منذ حوالى أربعين سنة في مدينة رايمس (Reims) مِن مقاطعة شامبانيا، في فرنسا. كنتُ تلميذًا عند الآباء اليسوعيين في رايمس. وغالبًا ما كنتُ أشارك في نشاطات المدرسة والأبرشية. إهتممتُ بخدمة الطقسيات في الكاتدرائية. درستُ بعدها الآداب الفرنسية واليونانية واللاتينية في "مدرسة تحضيرية أدبية". ثُمّ انتقلتُ إلى جامعة السوربون حيثُ درستُ الفلسفة، قبل أن أُصبحَ "أستاذ لُغات" في مدرسة القديس يوسف في رايمس. بعدها، ذهبتُ إلى مصربصفة مُراسل، إذ كنت مسؤولا عن صفوف الأوّل ثانوي في مدرسة "العائلة المقدسة". بعد سنتين، دخلتُ الإكليريكيةَ في أبرشيتي. فأرسلني أسقف رايمس (Reims) إلى روما حيثُ أمضَيتُ سنتين، وبدأتُ أدرس اللاهوت. ثمّ دخلتُ الرهبانية اليسوعية، (منذ حوالى خمسَ عشرةَ سنة)، لأني أَحببتُ صفتها الدولية في الانتشار. أمضيتُ سنتَي الابتداء في ليون، في فرنسا. بعدها، أتيتُ إلى لبنان عام 1992، لأدرُس اللغة العربية، لِفترةِ سنتين، في الجامعة اليسوعية. إخترتُ أنْ أكونَ في خدمة كُلِّ الكنائس الشرقية، لذلك ارتسمتُ في لبنان، بحسبِ الطقس الماروني. ذهبتُ بعد ذلك إلى حمص لأشارك في نشاطات الآباء هناك. وبعد سنتين، عدتُ إلى باريس لإكمال دراسة اللاهوت، ومِن ثمّ إلى روما، لأحصلَ على الدكتورا في اللاهوت العقائدي. وها أنا عدتُ في أيلول 2004، لأكون مُرشدًا روحيًّا لليسوعيين الدارسين في بيروت، ومُرشدًا روحيًّا أيضًا للكبار في مدرسة سيّدة الجمهور. إلى ذلك، أنا أُدرِّس المسيحانيّة في الجامعة اليسوعية.

ما الذي دفعكَ إلى أنْ تكون راهبًا وكاهنًا يسوعيًا؟

عرفتُ اليسوعيين منذ كنتُ صغيرًا. ما أُحِبُّ عندهم هو أنهم يرَونَ في  الإنسان إمكانية تَقدُّم وتطوُّرٍ دائمَين.

ما أكثر ما أعجبكم في مدرسة سيّدة الجمهور؟ وما أكثر ما أزعجكم؟

ما أحببتُ في هذه المدرسة هو الإمكانية المُتاحَة لي للتعرّف بالأكثر على أشخاص آخَرين، ولبنانيين، لبناء علاقة متينة معهم. لقد سُررتُ عندما أحسستُ بنوعٍ مِنَ الانفتاح لدى الأساتذة في هذه المدرسة، الذين فهموا جيّدًا خَياراتي.

 أمّا بالنسبة لِما أزعجني فيها فهو العدد الكبير مِنَ التلاميذ. وهذا الأمر يُعيق إمكانية الحصول على علاقاتٍ شخصيّة معَ التلاميذ، إذ أنني أُحِبُّ العمل معَ الأشخاص بشكلٍ عميق.

ما التغيير الذي أحدثتَه في المرشديّة الروحية للكبار؟ ولماذا؟

  لم أقمْ بتغيير جذري. فإني أحاول التعرُّف بالأكثر على واقع الحال والتلاميذ؛ لكنَّ الوقتَ ضيّقٌ وعدد التلاميذ كبير. وفي المدرسة، لاحظتُ أنَّ التلاميذ لا يعرفون ما هو المرشد الروحي، وما هو دوره. لذلك، يجب بناء ثقة بين المرشد الروحي والتلميذ. وهذه الثقة تتطلّب وقتًا لإنضاجها.

ما الفرق بين حياة الراهب والعلماني؟ وهل اكتشفتم في صفوفكم إحدى الدعوات الرهبانية أو الكهنوتية؟

   إن الرهبان يفهمون أن ملكوت الله اكتمل بمجيء يسوع المسيح، ويعرفون أيضًا أنَّ هذه العمليّة تستمرُّ معنا كُلَّ يوم. لذا، فعليهم أن يُبرهنوا بإعمالهم أنَّ ملكوت الله اكتمل. وعليهم أيضًا أن يعيشوا معًا هذا الواقع في المدرسة وفي الجماعة... ألَمْ يقُلِ النبي إشعيا: "الأسد سيعيش مع الحمل؟". فهذا ما نقوم به. أمّا العلمانيون فهم مدعوون ليعيشوا حالة مُحدَّدَة في هذا الملكوت الذي هو في تكامل دائم. ومِنَ الجيّد جدًّا أن يساهم الجميع في انتشار ملكوت الله.

ما هي نصيحتكم لتلامذة مدرسة سيّدة الجمهور، عمومًا، ولتلامذة الصفوف الثانوية، خصوصًا؟

  لدى التلاميذ مواهب عديدة، ولكنهم لا يرَون أنَّ لكُلّ شيء معنًى في حياتنا. فأحيانًا ، يعتبرون أنَّ بعض الأمور ثانويّةً، بينما هي في الواقع ليست ثانويّة. لذلك أنصحهم بأنْ يصبحوا أغنياء، لا مِنْ ذاتهم فقط بل،  مِنْ كُلّ ما يأتيهم مِنَ الغير، وخاصّةً مِنَ الله. فيجب ألاّ يستفيدوا مِنَ الأمور بشكل سطحي، بل أن يستفيدوا منها بعمق، لأننا أغنى مِمَّا حولنا.

كلمة أخيرة؟

أحببتُ كثيرًا شعارًا للكاهن اليسوعي الهنغاري "إفينسي" يقول فيه: "ضعْ ثقتكَ في الله، كما لو كان كُلُّ شيء يعتمد عليك لا عليه، واعمل كُلَّ شيء كما لو كان يعتمد على الله لا عليك". فهذا كلام من صميم الروحانية الأغناطية اليسوعية، لأنَّ الروحانية اليسوعية تَواترٌ بين الإمكانيات والواقع كما هو، إذْ أنّها تعتبرُ أن لديها رِجليَن على الأرض، وفي الوقت عينه هي مُنفتحة على الآخَر وعلى الله. لذلك كُلُّ شيء يبدأ من خلال اللقاء معَ الآخَرِين. وهذه النظَريَّةُ هي مسيحيَّة لاهوتيةٌ بحْت.

حاوره جاد نعمه -  الثاني ثانوي (6).

Collège Notre-Dame de Jamhour, LIBAN
Bureau de Communication et de Publication © 1994-2008