وجب الردّ
Les autres billets de la quinzaine
طُلبَ إليّ أن أكتب... وكنت أتشوّقُ فرصة مماثلة أردّ فيها على مقال، كتبته إحدى زميلاتي في قسم اللغة العربيّة وآدابها، نُشرَ على هذا الموقع الثقافيّ، الإنسانيّ والحرّ، وفي الخانة نفسها، منذ بضعة أشهر، تحت عنوان "الرغبة الحمراء". وفيه، ترى زميلتي العزيزة، أنّها حين تكتب "تجلس أمام ورقة بيضاء تستعطي الجنّ والإنس فكرًا أحمر َيليق بقارئ – ملِك محتمَل".
والواقع أنّ حياة الإنسان قائمة على التواصل معَ الآخَر: فمِنْ هنا، أُطلِقَ على خَلق الله "وعلى صورته كمثاله"، اسم "إنسان" في صيغة المثنّى (مثنّى إنس)، إذ هو بحاجة إلى آخَرَ يتفاعل معه ويتبادلان آراءهما...
وممّا لا شكّ فيه، أنّ الكتابة ضرْبٌ من ضروب هذا التواصل مع الآخر؛ فالكتابة، ليست سوى تلك المرآة العاكسة ما يخالج الروح مِنْ عواطفَ وانفعالات، مِنْ مشاعرَ وأحاسيسَ، ومن انقباضات وانفراجات، يصعب على الإنسان كَبْتُها في داخله، فيلجأ إلى التعبير عنها.
إذًا، فالكتابة تحتاج أوّلاً إلى رغبة، رغبةٍ في التعبير عن أمور قد يستحيل على المرء التعبيرُ عنها بغير وسيلة...
رغبةٍ في الإفصاح عن رعشة تهزّ الكيان...
رغبةٍ في التحليق فوق أبيضَ، والتذييلِ عليه بأسودَ ضاقتْ به النفس...
رغبةٍ في نقشِ زخَمٍ يحفر في القلب، فيُحدِثُ فيه نزيفًا فيّاضًا...
رغبةٍ في تذويب آهات الروح حروفًا تتراصف أمامنا...
رغبةٍ في الرغبة بحدّ ذاتها...
وبئس القولُ إنّي حين أكتب، أبحث عن ارضاء قارئ ما أو تصفيقٍ من قارئ آخر، إذ، والحال هذه، أكون قدِ ابتعدْتُ البعدَ كلّه عَنِ الهدف الأسمى من الكتابة، ألا وهو التعبيرُ عن أفكارٍ وآراءٍ ومشاعرَ وأحاسيسَ ذاتيّة، صريحةٍ وحقيقيّة، لا تهدف إلى إقناع الآخَر بالمكتوب، إنّما إلى دعوته إلى مشاركة ما ينتاب الروح من أهواء وقُوًى، تدفع المرء تارة قدمًا، وطورًا تراجعًا.
الكتابة رَحِمٌ، تخرج منه الأفكار رسمًا على جدران التواصل الذي كان، ومازال، وسيبقى حاجةً ضروريّة غيَر قابلةٍ للعزل. إنّها تلك الحياةُ المضرَّجة بنزيف الفكرِ الممزوج بآهات الروح وابتسامات النفس، بأنين الجسدِ وقهقهات الفؤاد، ببكاء الذاتِ ونشوةِ الكيان.
أخيرًا، عذرًا من الزميلة العزيزة، وشكرًا لمن أتاح أمامي المجال في الردّ على أفكارٍ أحترمها ولكن لا أستطيع المصادقةَ عليها.
إيلي س. عوّاد
( مُدرِّسُ العربية في الصفوف التكميلية)