Billet de la quinzaine

"تقييم"... وتقييم

 

Les autres billets de la quinzaine

30 octobre 2007

أراني، في مستهل هذا العام الدراسي 2007-2008، مدفوعًا لأُدلي بدلوي في طرحٍ، لعلّه جديد على عملية التقويم التي أُهرِقَ عليها حِبرٌ كثير في ندوات ودورات، والتي تقضُّ مضاجع التلاميذ في الاختبارات الشفوية أو الخطية. ألم يرتجف نابوليون العظيم من هذه العملية، حين قال بما معناه: "لم أتهيّب يومًا في حياتي، ولم أخف، بقدْر تهيُّبي وخوفي أمام المعلم"؟

فعملية التقييم المتّبَعة اليوم في بعض مدارس العالم تقوم على احتسام قيمة الأخطاء من العلامة العامة المخصَّصة للمسابقة. فالمسابقة التي يُفترَض أن تتضمن مئة معلومة، مثلاً، والتي خُصِّص لها عشرون علامة، تُقيَّمُ بصفرٍ من عشرين، إن أخطأ صاحبها (التلميذ) في الإجابة عن عشرين معلومة منها، فلا يؤبه للثمانين معلومة التي كتبها في مسابقته. وكأني بعملية التقويم الجائرة هذه تكفُر بعرق التلميذ وقدْحِ زناد فكره وذاكرته، وتوقِه إلى التقدم؛ فتصدمه وتُحبِط عزائمه، وتحمله على أن يطرح موضوع الإنصاف والعدالة على بساط البحث، في هذا المجال.

إن التقييم الحالي، في معظمه، قوالبُ محنَّطة، متشائمة، لا ترى من الكأس إلا نصفها الفارغ. فالإنسان، بطبعه، لا يلفته، في كل ما يُعرَض عليه، إلاَّ العورةُ والنقص، مُسقطًا في تقييمه ما في الشيء المعروض عليه من مظاهر جمال وإتقان وحسنات. هل إن عملية التقييم تنطلق من مقولة: "إن الكمال ليس من هذا العالم"، ناسيةً، أو متناسية أن التلميذ الذي لا يمكنه أن يرقى إلى ذروة سلَّم الكمال، يجب أن يُقيَّم عمله، بالنظر إلى الدرجات التي رقيَها في هذا السلم.

فدعوتي اليوم ملحّة إلى ثورة تقوم بها وزارة التربية والتعليم، وكل المؤسسات التربوية، ثورةٍ تحطم قوالب التقييم القديمة، مقيِّمةً جهد التلميذ وطاقاته واستعداده النفسي وتقدّمه. فهذه كلها، في نظري، أهم من الإجابة الخاطئة. وهكذا تصبح التربية نصيرةَ التلميذ الإنسان المتحرِّك الفاعل، لا خادمة المبادئ الجامدة الثابتة. ألم توضعِ المبادئُ والقوانين لخدمة الإنسان؟

ومِنْ أُولى بواكير هذه الثورة التي أدعو إليها تقييمُ ما هو صحيحٌ في المسابقة، وما بذل التلميذ من جهد وذاكرة وفكر وجهوزية نفسية، كأن تُحتَسَبُ علامات المسابقة ثمانين من مئة، إن هو أخطأ في الإجابة عن عشرين معلومة من أصل مئة. وهكذا، إن كانت العلامة على عشرين، تكون علامة المسابقة، في تلك الحال، 16 من عشرين، لا صفرًا، مما يشجع التلميذ على متابعة التقدم وحبِّ العمل، بدل أن يصدمه ويُحبطَه، على أن يرُفع معدَّلُ الترقية، من صف إلى آخر، بنسبة عشرين في المئة، فيصبح المعدّل المطلوب للترقية 15 من عشرين.

فليت القيّمين على وضع المناهج وسلالم التقييم، والعاملين في التربية يعون واقع التلميذ التعيس الناجم عن سياسة التقييم الحالية، ويأخذون هذا الطرحَ على محمل الجِدِّيّة... ويتحركون.

أنطوان بربر



Collège Notre-Dame de Jamhour, LIBAN
Bureau de Communication et de Publication © 1994-2008