Iftar du 27 novembre 2002
"إفطار مدرسة سيدة الجمهور أو "التعايش الوطني المنشود
برعاية احد قدامى المدرسة معالي وزير الدولة الأستاذ بيار حلو، أقامت مدرسة سيدة الجمهور، نهار الاربعاء الواقع فيه 27 تشرين الثاني، إفطاراً جامعاً في رحابها. حضره، إلى جانب الآباء اليسوعيين العاملين في المدرسة، والأب رينيه شاموسي نائب رئيس جامعة القديس يوسف، الشيخ محمد النقري أمين عام دار الفتوى، والأمير الأستاذ حارث شهاب أحد الأمناء العامين للجنة الحوار الأسلامي ـ المسيحي، ومندوبون عن جمعية المقاصد الخيريّة الاسلامية، والسيدة غاده اليافي منسّقة إعمال نادي الطلبة الاسلامي المسيحي، وعدد كبير من التلاميذ القدامى، والتلامذة الحاليين. ولقد صادفت إقامة هذا الإفطار احتفالات المدرسة بيوبيلها الذهبي، في الذكرى الخمسين لتأسيسها في محلّة الجمهور، في السنة 1953.
بدأ الاحتفال بكلمة ترحيب القاها الأستاذ ناجي الخوري الأمين العام لرابطة قدامى مدرسة سيدة الجمهور. فباسم الأب الرئيس والآباء رحّب بالحاضرين، ثم اطلع الحضور على أن غياب رئيس رابطة القدامى معالي الأستاذ ميشال إده عن الاحتفال يتعلّق بأمور رابطية، إذ تتحضّر رابطة القدامى لفتح مكتبين لها في نيويورك وواشنطن، قريباً جداً. ثم حيّا معالي وزير الدولة، راعي الاحتفال، الأستاذ بيار حلو، ودعا القدامى إلى لعب الدور الذي نشّأتهم عليه مدرسة سيدة الجمهور، في الانفتاح على الآخر والالتزام بمبدأ التعايش والمحبّة، قناعةً وتصرّفات، إذ أن قدامى مدرسة سيدة الجمهور، هم وحدهم المؤهلون لهذه الرسالة، خاصة، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول التي أقامت الجدران، وزرعت الحذر في النفوس.
وكانت، بعدها، كلمة رئيس المدرسة ـ الصرح الأب سليم دكاش اليسوعي، التي أتت آيةً في الوطنية والإعجاز، ودستوراً للانفتاح والتعايش، كم نحن، في هذه الأيام، بحاجة ماسّة إليه ! ومما قاله في هذا المجال : " الاختلاف في الدين ... لا يجب أن يقف عائقاً دون قيام الحياة المشتركة في إطار الوطن اللبناني الواحد". لا بل أن هذا الاختلاف ضروري، في نظر الأب الرئيس، لتفعيل الحياة المشتركة وتثبيتها. فيقول : " ... يمدّها بالغنى والتنوّع والتكامل". وهل كانت رسالة الرهبانية اليسوعية يوماً الاّ رسالة انفتاح على الآخر وقبوله كما هو؟ : " قبول كل واحد للآخر كما هو في أصول قيمه ومبادئه ومعتقداته". ثم أكّد الأب دكاش على أن رسالة اليسوعيين التربوية هي العمود الفقري للتربية الوطنية، فحثّ على العمل لتفعيل نادي الطلبة الاسلامي ـ المسيحي، إذ هو القاعدة الاساس لكل حوار وطني. وأنهى الأب الرئيس كلمته المعبّرة والمؤثرة باعلان فخره بما حققته مدرسة سيدة الجمهور، خلال الخمسين سنة الماضية، إذ نشأت للبنان الروّاد النخبة، وحيّا جهود القدامى خاصة في تعزيزهم لصندوق التعاضد "... الذي يسمح للمدرسة، سنوياً، بتقديم مبلغ خمسمئة ألف دولار من المنح المدرسية". وخلص إلى التأكيد على شعار اليسوعيين الدائم، وشعار المدرسة لهذه السنة اليوبيلية، الثالوث المؤلف من "الإيمان" و"المعرفة" و"الخدمة" الذي يتحف المجتمعات بالنوعيات الكبيرة المميّزة لتبني "...لبنان المستقبل، لبنان المحبة والحرية والعدالة".
وبإسم القدامى كانت كلمة السيد بسام طرباه التي استهلها ب"السلام" المشترك بين المسيحيين والمسلمين "السلام عليكم". ثم نوّه بدور الآباء اليسوعيين الطليعي في مضمار الحوار الاسلامي ـ المسيحي الذي، من مظاهره الواقعية هذا الإفطار. بعدها، استعرض احداثاً اربعة تصب في خانة الحوار. فاتحتها صيام آباء مدرسة سيدة الجمهور اليسوعيين، يوماً كاملاً، السنة الماضية، في شهر رمضان، مشاركة لإخوانهم المسلمين، وتعبيراً عن رسالة الانفتاح عليهم. وقد تكون هذه الروح التي حركت اليسوعيين في رسالتهم الانفتاحية على اخوانهم المسلمين، هي ذاتها التي الهمت قداسة البابا للطلب إلى كاثوليكي العالم ان يصوموا في اليوم الأخير من شهر رمضان. ولكنّ هذه المبادرة الجريئة لم تلق أيّ صدى الاّ من فضيلة الشيخ حسن فضل الله والسيدة بهية الحريري، على قول السيد طرباه. ثم تحدّث عن لقاء ساحة النجمة الذي تنادى إليه مؤمنون : مسيحيون ومسلمون خطبوا في موضوع الانفتاح والحياة المشتركة. وتطرّق في حديثه عن قداس انطلياس "المشترك" من مسيحيين ومسلمين. كل هذه الأصداء والانشطة ترجمت قراراً اتخذه مفتي الجمهورية اللبنانية ومجلس الامناء الاعلى، بشكر قداسة الحبر الأعظم على مبادرته، وقراراً آخر سلّمه الأستاذ محمد السمّاك، أحد الأمناء العامين للحوار المسيحي الاسلامي، إلى الكاردينال ارينزي، يمتنّ فيه من مبادرة البابا، ونظرته الخاصة إلى لبنان.
وتعهّد، أخيراً، السيد طرباه، بأن يكون الناطق الأمين باسم قدامى الجمهور، شاكراً الأب الرئيس ورابطة القدامى لاستقبالهم وكرم ضيافتهم. واكّد للآباء اليسوعيين إخلاص كل القدامى وأمانتهم للتربية التي تنشّأوا عليها، إلا وهي أن يكونوا اللبنانيين المتعاونين الفخورين بانتمائهم. وانهى كلمته بالقول المأثور . "الدين لله، والوطن للجميع" وتابع باللاتينية : "وهذا كله لمجد الله الأعظم".
وكلمة الختام كانت لمعالي الوزير حلو، الذي تحدّث عن أهمية لبنان الدولية، بالنظر إلى مؤتمر باريس، وشدّد على دور لبنان التعايش، ثم ختم بما معناه : إفطار الجمهور يعتبر لقاء هاماً يهدف إلى دعم التعايش وتجسيده واقعاً ملموساً.
فعسى إفطار الجمهور ينقل عدوى الانفتاح فيخمّر بها شرائح الوطن والمؤسسات والأفراد.