بالأمس، السنةَ الماضية، اجتمعنا هنا في مدرسة سيدة الجمهور، واحتفلنا بعيد العلم وعيد الاستقلال، وشعرنا للمرة الأولى بأننا على طريق الحرية والاستقلال سائرون. رأينا عيد العلم يعانق عيد الاستقلال، العلمِ المخضَّب بدماء الشهداء الذين قدموا الغالي في سبيل الحرية والاستقلال.
واليومَ نحتفل بعيد العلم والاستقلال، وكأننا أصبنا بنكسة، بعد مصيبة الحرب التي حلّت علينا، إبان أسابيعَ من الصيف الماضي. يأتي عيد العلم هذه السنة، والغيومُ على بلادي كثيفة، ويهلّ علينا هلال عيد استقلال الوطن، والعينُ دامعة، والقلب يتأسى على اجواء سياسية، وعلى رياح ساخنة تهب من هنا وهنالك على هذا الوطن الصغير، ذي القلب الكبير الذي حضن ويحضن قضايا الانسان، ويعمل من اجل الكرامة والعدالة.
يطلّ علينا عيد العلم، والعلم حزين. وبدل ان يكون متلألئًا، عاليًا، هَيَّابًا، مصدرَ اعتزاز ورمزَ الوحدة الوطنية والسيادة والسلام، فكأنه مختفٍ امام التحديات والتهديدات والمناورات، وكأن لا مكان له.
ولكن في عز الصعوبة والعاصفة، نحن لا نتخاذل ولا نتراجع، ولا نشك لحظةً في أن مستقبل لبنانَ سوف يكون مستقبل الوحدة والسلام والازدهار. لكن، إذا اردنا ان نؤسس لهذا المستقبل، نعلن مع بعضنا البعض:
أولاً : ايماننا بأن جذورنا وأصولنا ليست في بلدٍ نرحل اليه، او في ثروة نقتنيها، او علم غريب نؤدّي له التحية. إيماننا في هذا الوطن، لأننا منه وسنبقى له اوفياءَ مخلصين نقدم التحية لعلم الأرز، لأن الوفاء هو من الإيمان. كونوا مثل الأرزة تتمسّك بالتراب وتعشق تراب الوطن، وبقدر ما تتمسّكون بالتراب تكونون مثل الأرزة واقفين لا تنال منك الرياح والأنواء.
ثانيًا: إلى الإيمان ومنذ اليوم، وكما بالأمس، نعلن أننا مسؤولون عن هذا الوطن. مسوؤليتنا اليوم هي في أن نستزيد من العلم والمعارف، من القيم والأخلاق، من الانضباط والشفافية، من معرفة ما هي اهدافنا، وكيف نصل إلى تحقيقها في أن يكون لبنان حصنًا منيعًا.
أيها الاحباء، إن الشعور بالمسؤولية وممارسةَ المسؤولية هو عِلمٌ معرفة وإرادة وتفانٍ، وليس حبًا بمنفعة او مصلحة او بمناصب.
ثالثًا : تعلموا منذ اليوم ان تتصرفوا تصرّفَ المواطن المحبِّ للخير العام، المواطن الذي يعرف حقوقه وواجباتِه، ويحترم القوانين العامة، المحبِّ للشجرة وللطبيعة، المقدّر لأخيه الإنسان. انزعوا عن اللبناني صفة الفرد الذي يسخر لنفسه ما هو للدولة، بدل أن يعمل من أجل إعلاء شأن الدولة. حضّروا انفسكم لتكونوا لا رجال سياسة بل رجال العقل والدولة.
رابعًأ : عليكم أن تعرفوا ان استقلال لبنان يكون في حرية ارادتكم وقراركم وحرية قدراتكم وثقافتكم الروحية والانسانية، حرية الإبداع والتنوع والتعبير. هذا الاستقلال لا يريده الكثيرون ممن هم حولنا وممن هم في البعيد. إنه مذاقٌ وحالةٌ يرفضه الذين يعيشون في العبودية والظلمات. فلذلك الاستقلال هو معركةٌ ليست قصيرة. نحن هنا في لبنان نريد ان نصلَ سريعًا إلى مبتغانا. في حين الاستقلال معركة طويلة، وانتم شباب اليوم ويافعو اليوم، عليكم ان تلتزموا باستمرار هذا النضالَ من أجل حرية بلادكم.
يقول أحد قدامى مدرستنا الأديب أمين معلوف : إن لبنان هو مثلُ "شتلةِ وردٍ متوحشةٍ لها اشواكها، إنها نبتةٌ سريعةُ العطب، لكنها ذات جذور عميقة". فلا تخافوا ولا تتكاسلوا ولا تستسلموا... فلبنان سيبقى، وسوف يقوم من كبوته، والعلَم سيبقى رمزَ الحرية والاستقلال والتنوع. فنحن وانتم أشواك الوردة التي ستحمي، بعلمها وإرادتها، وقوةِ شكيمتها لبنانَ من شماله حتى جنوبه، ومن بقاعه حتى جبله، لبنانَ الارض والتاريخ... فلبنان حاضره ومستقبله في أياديكم المعطاء وقلوبكم الفتية.
عشتم عاشت مدرسة سيدة
الجمهور،
عاش العلم،
عاش لبنان.