ليس عندي سوى القليل من الكلام على اللسان احدثكم به بما أن الكلام هو لكم اليوم، ألا أن عندي الكثير من العاطفة الممتزجة بدلالات الفكر وتوجيهاته، لكي أرحّب بكم جميعًا انتم أهل المقاصد من مدراء وأساتذة كرام، أعمق الترحيب في هذا البيت العتيق، مدرسة سيدة الجمهور. أرحّب بكم باسم الأساتذة الحاضرين وباسم التلامذة وخصوصًا أولئك الذين من الصف الثاني ثانوي شاركوا تلامذة أمثالهم واترابهم من المقاصد في حلقات التربية المشتركة على التعارف المتبادل بما فيه اسس ايمان المسلم واسس ايمان المسيحي، وكذلك تلك القيم الجوهرية المشتركة التي تجمع ولا تفرق، مثل التسامح والصداقة والاحترام المتبادل.
التلامذة سبقونا في هذا التعارف المشترك والمتبادل فكان لا بد من مجموعة من الأساتذة، من هناك ومن هنا، أن تجتمع لتكمّل العمل الذي تحقق على مستوى التلامذة، فتسعى إلى تبيان ما يشجع التسامح، وما يعزّز الانفتاح على الآخر وما هي الادوات والوسائل والمشاريع المشتركة من اجتماعية وترفيهية وثقافية، وحتى روحية، التي تؤسس لإكمال هذا العمل الخيّر والمفيد.
أود هنا أن استذكر بعض الأفكار التي اوردها الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان الذي وجهه قداسة البابا، يوحنا بولس الثاني حول ضرورة العمل من أجل تعزيز بناء العيش المشترك بين اللبنانيين وخصوصًا بين المسيحيين والمسلمين :
لا بدّ خاصةً من تكثيف التعاون بين المسيحيين والمسلمين في كل المجالات الممكنة، بروح التجرّد، أي من أجل الصالح العام، وليس من أجل مصلحة أشخاص مُعيّنين، أو من أجل مصلحة طائفة خاصة، أو أملاً بالحصول على مزيد من النفوذ والسلطة في المجتمع . إن اعتبارهم المشترك للحياة الأخلاقية، وتوقَهم إلى مستقبل أفضل، يجعلانهم مسؤولين معًا عن بناء المجتمع الحاضر، وعالم الغد، وذلك بحفاظهم على القيم الاخلاقيّة، والعدالةِ الاجتماعية، والسلام، والحرية، ودفاعهم عن الحياة والعيلة، والعمل على رفع شأنها. ليس الحوار الاسلامي ـ المسيحي حوارًا بين مثقّفين فقط، بل هو يهدف، أولاً، إلى تشجيع العيش معًا بين مسيحيّين ومسلمين، في روح من الانفتاح والتعاون لا بدّ منه، ليتمكّن كلّ منهم من الشعور بالرضى باعتماده في حرية الخيارات التي يُمليها عليه ضميره القويم. ومتى تعلّم اللبنانيّون أن يتعارفوا جيدًا ويرضوا رضى كاملاً بالتعدُّديّة، وفّروا لنفوسهم الشروط الضرورية لإقامة الحوار الحقيقي، وإحترام الاشخاص والعيال والجماعات الروحيّة. ويكرّس البابا في ختام هذا المقطع بعض الأسطر حول دور المدارس في بناء العيش المشترك فيقول : وللمدارس والمؤسسات التربوية المختلفة دور أساسيّ في هذا المضمار. لأن التمرّس في الحياة الجماعية، منذ الصغر، يحمل الأولاد على الانتباه بعضهم إلى بعض، ويدعوهم على أن يعالجوا سلميّا ما قد يحدث من نزاعات.
فليبارك ربّ العالمين هذا العمل المشترك ونحن مكلفون أن نقوم به، وليفتح أذهان جميع الذين سيفكرون معًا ويتعمقون في مختلف المواضيع التي تتعلّق بالعيش المشترك، خصوصًا على مستوى مؤسساتنا التربوية. فمن يريد أن يهتم بأغصان الشجرة وثمارها، عليه أن يغذي جذورها، وبما يخصنا نحن اللبنانيين علينا أن نغذي جذورنا المشتركة، جذورَ المحبة والإيمان والحرية والعدالة.