فنّ القيادة

- نظرة إغناطيّة شرقيّة -

 

[Pour télécharger le document en entier, format Word : .doc 112kb, utilisez le bouton droit de la souris]

أوّلاً -  فنّ القيادة والروح الإغناطيّة

ثانياً - فنّ القيادة و روح الخدمة

ثالثاً -  فنّ القيادة و روح التنشيط

رابعاً -  فنّ القيادة و روح التجدُّد والإبداع

الخاتمة

 

     إنّ قراءتي هي نظرة إغناطيّة إلى فنّ القيادة،  أي نظرة مبنيّة على إغناطيوس دي  لويولا  (1491-1556) مؤسّس الروحانيّة الإغناطيّة،  وهي أساس "حركة الشباب الإفخارستيّة" (MEJ)  و "جماعات الحياة المسيحيّة" (CVX) [1].  كما أنّها قراءة تنطلق من واقعنا الشرقيّ، وله مميّزاته الخاصّة المختلفة عن مميّزات مجتمعات أخرى.

أوّلاً -  فنّ القيادة والروح الإغناطيّة

     إنّ منطلق فنّ القيادة هو بالطبع شخص القائد.  تنتهي الرياضات الروحيّة بـ" المشاهدة لبلوغ الحب"، حيث النعمة التي يطلبها المتروّض قبل أن ينطلق إلى حياته العمليّة هي الحبّ والخدمة: " أن أحبّ عزّته الإلهيّة وأخدمها في كلّ شيء ".  والسؤال هو: كيف يُعبّر القائد عن حبّه بالخدمة؟  قد يُفيدنا في فهم ذلك مشهدُ إنجيل يوحنّا عندما يقول يسوع لبطرس: " أتحبّني؟... إرعَ خرافي... إرعَ حملاني ".  فالعلاقة وثيقة بين الحبّ والخدمة:  مَن يحبّ يعبّر عن حبّة بالخدمة. والقائد، من منطلق حبّه للمسيح، وبالتالي حبّه للإخوة،  يخدم المسيح عندما يخدم الإخوة،  معبّراً هكذا عن حبّه للأشخاص الذين هو مسؤول عنهم بخدمته إيّاهم.

     أعتقد أنّ هذه هي زبدة روح الخدمة الإغناطيّة، روح خدمة القيادة؛  هذا هو " المبدأ والأساس" في الخدمة،  إذا استخدمنا العبارة الإغناطيّة المشهورة في بداية الرياضات الروحيّة.

     وهناك نقطة ثانية أساسيّة - لها أساسٌ أنتروبولوجيّ عميق كثيراً ما يستخدمه إغناطيوس -  وهي مبنيّة على لفظ شخص باللغتين اللاتينيّة واليونانيّة.

     باللغة اللاتينية،  كلمة شخص هي Persona،  والراجح أنّها تأتي من كلمة Sono (منها بالفرنسيّة Son) أي  السمع. فالشخص هو مَن يسمع الآخرين ومَن يُصغي إليهم.  وتعريف الشخص هو إذاً الاستماع والإصغاء،  ممّا  يتطلَّب منه الخروج من ذاته نحو الآخَر ليستمع ويصغي إليه.  وعليه،  نجد إغناطيوس يدعو إلى الاستماع إلى ما يقوله الأشخاص الوارد ذكرهم في المشاهد الإنجيليّة،   فضلاً عن الإصغاء المتبادل بين المتروّض ومرافقه الوارد ذكره في ما يسمّيه إغناطيوس " الافتراض المُسبَق" في بداية الرياضات الروحية، ومفادُه أن يبرّر الشخصُ وجهةَ نظر الآخر، في حين أنّه،  تلقائيًّا،  يحكم عليه أو على رأيه بناءً على ما يعجبه أو لا يعجبه فيه، بدون نظرة متسامحة إليه.  وهذا لا يجوز للقائد الذي يقع على مسؤوليّته القياديّة أن يأخذ بعين الاعتبار كلّ ما يقوله الشخص الذي أمامه،  لا بل وأن يُبرِّره.  وإن تعذّر التبرير بسب خطإ موقف الآخَر،  وجب تصحيحه ولكن بكلّ محبّة ولا بروح المحاكمة والإدانة.  وخلاصة القول أنّ القائد مدعوّ إلى أن يصغي إلى الآخر إصغاء لا يحكم على الآخر ولا يدينه،   بل يبرّره ويتفهّمه قبل كلّ شيء.

     واللفظ Prosopon  الذي يعني باللغة اليونانيّة الشخص،  مشتقّ من الفعل orao،  أي  رأى ونظر.  فالشخص إذاً رؤية ونظر،  مثلما هو استماع وإصغاء،  فهو يرى الآخرين الذين أمامه وينظر إليهم،  آخذاً بعين الاعتبار كلّ ما يراه وينظر إليهالآخرون، محاولاً أن يرى ما لا يُرى من أعماق الآخرين،  ذلك بأنّ الإنسان يرى رؤية صائبة ثاقبة  بعيني القلب لا الجسد فقط،  كما يقول الأديب الفرنسيّ أنطوان دي سانتْ إكزوبِيريه؛  وإنّه يكتسب ثقتهم كلّما نظر إليهم هذه النظرة العميقة الباطنيّة.  وذلك بالذات هو " التمييز" الإغناطيّ،  حيث رؤية ما لا يُرى إلاّ بعد  تفاعل وشعور وتحليل وبصيرة لاكتشاف كُنه الأشخاص.  ولذلك يطلب إغناطيوس من المتروّض أن يرى وينظر إلى الأشخاص في المشاهد الإنجيليّة التي يتأمّل فيها، بُغية معرفتهم  "معرفة باطنيّة "،  كما يقول في معرفة المسيح وأسرار حياته من خلال الإنجيل.  هذا ما يُدْعى إليه القائد في علاقته بمَن هو مسؤول عنهم،  ساعياً دائماً،  وهو يخدمهم،  للنظر إليهم نظرة القلبالمُحِبّة، ليعرفهم معرفة داخليّة،  ما يجعله يدخل تدريجاً في قلبهم.

  إذن،  في فهمي للنظرة الإغناطيّة،  أقرّ بأنّ فنّ القيادة هو فعل حبّ وخدمة مبنيّ أساساً على الاستماع والإصغاء منجهة، والرؤية والنظر من جهة أخرى.


 [1]  أصل المقال محاضرتان ألقيتُهما على هاتين الحركتين في لبنان السنة 2004 .  وقد أعدتُ صياغتهما في شكل مقال .

Collège Notre-Dame de Jamhour, LIBAN
Bureau de Communication et de Publication © 1994-2008